وإذن تكون مدة الدراسة الدينية واللغوية اثنتي عشرة سنة لا ستاً كما ظن الأستاذ. 3 - لا خوف من طغيان المواد المدنية على المواد الدينية في الدرس والتحصيل ما دام الوقت متسعاً، والأستاذ كفؤاً، والكتاب مهذباً، والمنهاج مستقيما، وتوزيع المواد دقيقاً، والإدارة حازمة، والمراقبة يقظى؛ فإن الوقت إذا أحسن استخدامه اتسع ضيقه، والكتاب إذا حذف فضوله قصر طوله. 4 - من المحال أن ينصرف التلاميذ عن المدارس الثانوية الأزهرية؛ لأن الاقتراح يقصر وظائف تدريس الدين واللغة والأدب في جميع مدارس الدولة والأمة على الأزهر، فإذا أضيف إلى ذلك وظائف التحرير والترجمة ومهنتا الصحافة والتمثيل، كان الراغب في ممارسة أمر من هذه الأمور محتوماً عليه أن يدخل الأزهر لأنه لا يستطيع بلوغه إلا عن طريقه. وجملة الأمر أن الاقتراح يرمي إلى تجديد الأزهر وتوحيد التعليم على الوجه الذي يحفظ للأزهر طابعه وللأمة وحدتها. فإذا تجاذب الباحثون أطراف الرأي في حدود هاذين الغرضين، استبان الطريق، واتحدت الوجهة، وتلاقوا جميعاً عند الغاية المقصودة لا محالة! أحمد حسن الزيات
على أن الأستاذ الغمراوي قصر جهده في مقاله على عرض اقتراح الرسالة في صورة الهولة ليفزع بها المخلصين لدينهم ولغتهم فلم يشر بتعديل فيه ولا ببديل منه، كأنه يرضى للأزهر أن يظل كما هو يملك الكلام، ويجتر الماضي، ويقتات الفتات، ويبطل الاجتهاد، ويعطل العقل، ويصم أذنيه عن أصوات العالم وحركات الفلك! ولكن الأستاذ من صدور العلماء المعروفين بطول الباع في علوم الدين، وسعة الاطلاع على فنون اللغة؛ فلا بد أن يعلم أن ميزة الإسلام التي تفرد بها مسايرته للتطور ومطاولته للزمن؛ فإذا حصرناه في زمان محدود، أو قصرناه على نظام معين، سلبناه هذه الميزة، وفصلناه عن دنيا الناس؛ فهو إذن من المصلحين المحافظين الذين يجددون بقدر، ولا يتقدمون إلا في أناة وحذر، لأنه يرى الحال داعية إلى الإصلاح، ولكنه يطلب من الأستاذ العقاد ومني أن نراجع الرأي فيما كتبناه لعلنا نجد (لوناً آخر من العلاج يكون فيه للأزهر الشفاء والعافية). ذلك هم المجددون المحافظون، وأما غيرهم ممن يعارضون الاقتراح فطائفتان: طائفة السلفيين المتزمتين، وهؤلاء قد وقفوا عند حدود النقل، فلا يرون لفهم أن يبتكر، ولا لعقل أن يعترض، ولا لمصلح أن يجدد، لان التجديد بدعة، وكل بدعة على إطلاقها ظلاله.
وما هي حياة الضمائر إن لم تكن حياة العراك والمقاومة والانتصار؟ وما هب أسرار الكون إن لم تكن أسرار التجاذب والتدافع بين دواعيه ونواهيه؟ فالنضال أصيل في روح الدين والتقاء التدين وطلب الغلبة وطلب التعبير فترة واحدة أو فترات متعددات في النفس (المتطورة) ليس بالأمر الغريب ولا باللغز العسير التعليل وكم أديب مناضل وجندي يحمل السلاح وهو غير مطبوع على النضال!